عُمان ...

تقع سلطنة عمان في الجهة الجنوبيّة الشرقية لشبه الجزيرة العربيّة، والجهة الجنوبيّة الغربية من القارة الآسيوية، يحدّها من الجهة الشمالية الشرقيّة بحر عُمان، أمّا الجهة الجنوبية الشرقية فيحدّها منها المحيط الهندي، بينما تقع المملكة العربية السعودية غرب السلطنة إضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، أما جمهوريّة اليمن فتقع جنوبها، ويحدّها مضيق هرمز من الشمال، أمّا بحر العرب فيحدّها من الشرق. المساحة والتضاريس تبلغ مساحة سلطنة عمان الإجمالية حوالي 309.500 كم2، وتتباين التضاريس الموجودة في عمان، منها الجبال التي تشغل حوالي 15% من إجمالي المساحة الكلية، وأهمّها سلسة جبال الحجر، والتي تفصل المنطقة الداخلية لعمان عن المنطقة الساحلية، ويبلغ طولها حوالي 600كم، إضافة إلى سلسلة جبال ظفار، أمّا أعلى القمم الجبليّة في عُمان فتتمثّل بجبل شمس الذي يساوي ارتفاعه ثلاثة آلاف متر، أما المناطق الصحراوية فهي تشغل الجزء الأكبر من المساحة إذ تعادل 82% منها، يقع معظمها في الربع الخالي الذي يقع غرب عُمان. تمتاز عُمان بموقع استراتيجي هام منذ القدم، إذ أطلق السومريون عليها اسم (مجان) أو جبل النحاس، حيث تضمّنت العديد من النصوص الرافدية التي كُتبت بخطّ مسماريّ اسم مجان، وإن دلّ ذلك على شيء فإنه يدلّ على الأهمية الكبيرة لهذا المكان من حيث المكانة الاستراتيجيّة، والمصادر الطبيعيّة الموجودة في المكان لا سيّما النحاس، والأحجار الكريمة التي يتمّ استخدامها على نطاق واسع في صناعة التماثيل كما هو الحال مع حجر الديوريت. السكان والمدن يبلغ عدد سكان سلطنة عمان 4.003.058 نسمة حسب إحصائية عام 2014م، يتوزّعون في مختلف مناطق السلطنة، يتداولون فيما بينهم عملة الريال العماني بشكل رئيسي فهي العملة الرسمية في عُمان. يُشار إلى أنّ مسقط هي العاصمة وهي إحدى المدن الرئيسية في عُمان، وهناك مدن رئيسية أخرى منها: صلالة التي تحتوي على آثار تاريخية عديدة تجلب الزوّار إليها من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى مدينتيْ مطرح ونزوى. العلم رفع علم سلطنة عُمان لأوّل مرّة عام 1970م بقرار سلطانيّ، وهو ذو شكل مستطيل، ويتألّف من ثلاث وحدات أفقية تحمل الألوان التالية: الأبيض، والأحمر، والأخضر، إضافة إلى وحدة عموديّة بجانب السارية، فيما يتعلّق برمزيّة الألوان المستخدمة في العلم فهي كالتالي: اللون الأبيض: يرمز للسلام. اللون الأحمر: يرمز إلى الدم، في إشارة للمعارك التي تمّ خوضها عبر تاريخ عمان الطويل من أجل طرد الغزو الأجنبيّ. اللون الأخضر: يرمز إلى الزراعة في البلاد.





عُرفت عمان في المراحل التاريخية المختلفة بأكثر من اسم ومن أبرز أسمائها مجان ومزون وعمان حيث يرتبط كل منها ببعد حضاري أو تاريخي محدد فاسم مجان إرتبط بما إشتهرت به من صناعة السفن وصهر النحاس حسب لغة السومريين حيث كانت تربطهم بعمان صلات تجارية وبحرية عديدة وكان السومريون يطلقون عليها في لوحاتهم أرض مجان أما اسم مزون فإنه ارتبط بوفرة الموارد المائية في عمان في فترات تاريخية سابقة وذلك بالقياس إلى البلدان العربية المجاورة لها وكلمة مزون مشتقة من كلمة (المزن) وهي السحاب ذو الماء الغزير المتدفق ولعل هذا يفسر قيام وازدهار الزراعة في عمان منذ القدم وما صاحبها من حضارة أيضًا وبالنسبة لاسم عمان فإنه ورد في هجرة القبائل العربية من مكان يطلق عليه عُمان في اليمن، كما قيل إنها سميت بعُمان نسبة إلى عُمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وقيل كذلك أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم وكانت عمان في القديم موطنًا للقبائل العربية التي قدمت إليها وسكن بعضها السهول وأشتغلت بالزراعة والصيد واستقر البعض الآخر في المناطق الداخلية والصحراوية واشتغلت بالرعي وتربية الماشية








اختلفت الآراء في أصل تسمية عمان فالبعض يرجعه إلى قبيلة عُمان القحطانية والبعض يأخذه من معنى الإستقرار والإقامة فيقول ابن الإعرابي: العمن أي المقيمون في مكان، يقال رجل عامن وعمون ومنه إشتقت كلمة عُمان ويستطرد فيقول: أعمن الرجل أي دام على المقام بعمان أما الزجاجي فيقول: أن عمان سميت باسم عُمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام بينما يذكر ابن الكلبي: أنها سميت باسم عُمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم خليل الرحمن لأنه هو الذي بنى مدينة عُمان، أما شيخ الربوة فيقول: أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُمان بن لوط النبي عليه السلام.
وقيل أن الأزد سمت عمان (عُمانا) لأن منازلهم كانت على واد لهم بمأرب يقال له عمان فشبهوها به ومن أقدم المؤرخين الرومان الذين ذكروا عُمان بهذا الاسم لينوس الذي عاش في القرن الأول للميلاد 23 م – 79 م فقد ورد في كتاباته اسم مدينة تسمى عُمانه (OMANA) وكذلك ورد هذا الاسم عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد ويظن جروهمان أن عُمانه المذكورة عند هذين المؤرخين هي صحار التي كانت تعد المركز الاقتصادي الأكثر أهمية في المنطقة في العصر الكلاسيكي وقد عرفت عمان بأسماء أخرى فقد أطلق عليها السومريون ودول بلاد ما بين النهرين اسم مجان ربما نسبة إلى صناعة السفن التي تشتهر بها عمان، حيث ورد في النقوش المسمارية بأن مجان تعني هيكل السفينة كما سماها الفرس باسم مزون وورد اسم عمان في المصادر العربية على أنها إقليم مستقل.[27]
في جنوب سلطنة عُمان تقع مدينة تعرف بظفار ويعود تسميتها إلى عصور قديمة فقد ورد ذكر ظفار في أحاديث روتها أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضى الله عنهما وتم اكتشاف موقع أثري في عام 2011م يحتوي على أكثر من 100 قطعة من الأدوات الحجرية وكذلك تم اكتشاف مواقع أثرية كالبليد وسمهرم وهو موقع أثري مشهور حيث كانت السفن تنقل اللبان الظفاري منه إلى جميع أنحاء العالم وقد ورد ذكر ظفار في المنحوتات الفرعونية زمن الملكة حتشبسوت فقد كان ينقل إليها اللبان الظفاري ليتم حرقة في المعابد الفرعونية.[28]
في مدينة عبري، هو أقدم المستوطنات البشرية المعروفة في المنطقة، التي يعود تاريخها ما يصل إلى 8000 عام إلى أواخر العصر الحجري تم اكتشاف.[29] البقايا الأثرية هنا من العصر الحجري والعصر البرونزي. وشملت النتائج الأدوات الحجرية، عظام الحيوانات وقذائف ومداخن النار، مع تاريخها في وقت لاحق إلى 7615 عام قبل الميلاد والتي تشير إلى أقدم علامات الاستيطان البشري في المنطقة وتشمل اكتشافات أخرى مثل الفخار مصبوب اليد والتي تحمل علامات ما قبل العصر البرونزي المميزة وينفذ الصوان الثقيلة وآثار أدوات ومكاشط.
على جبل صخرة وجه في نفس المنطقة، تم اكتشاف لوحات الكهف كما تم العثور على رسومات مماثلة في مناطق وادي السحتن في ولاية الرستاق ووادي بني خروص في ولاية العوابي. فهي تتألف من شخصيات البشر تحمل أسلحة ويجري التي تواجهها الحيوانات البرية وسيوان في هيما هو موقع محلي آخر يعود للعصر الحجري حيث وجد علماء الآثار النصال والسكاكين والأزاميل والأحجار الدائرية والتي قد تكون استخدمت لإصطياد الحيوانات البرية.

مملكة مجان

لقد حطت في عُمان رحال الكثير من البحارة والجغرافيين والمؤرخين وكتبوا عنها وعن سماتها الديموغرافية والجغرافية، على أن تلك النصوص التاريخية تحيل الباحث تلقائيًا إلى رسم المعالم الحدودية لعُمان في شكلها السياسي على وجه الخصوص كما هو الحال عند أي نص تاريخي مماثل لبلد آخر، ذلك أن الجغرافيا السياسية للبلدان لم تكن على مر التاريخ جامدة بل ظلت متحركة وخاضعة للعديد من المتغيرات والعوامل، كالعامل الزمني والعامل السياسي والعامل الاقتصادي والعامل الطبيعي والعامل الديموغرافي وهذا الأخير إنما تتشكل ملامحه هو الآخر بحسب المحددات والمؤثرات ذات البعد الإنساني وأهمها الإرتحال طلبًا للرزق والعيش والاستقرار، لذلك فإن عُمان كانت واحة آمنة لموجات الهجرة العربية الأولى وبالأخص بعد انهيار سد مأرب وخروج معظم القبائل العربية إلى أطراف الأرض حيث كان انهيار السد العظيم علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية وانعطافة حادة للمسار التاريخي العربي، فكان لعُمان نصيب من ذلك.
كما كانت عُمان أرضًا خصبة لحراثة الكثير من الرحالة جهابذة التاريخ الذين لمعت أسماؤهم على صفحات التاريخ الإنساني من العرب والعجم وقد تركوا للإنسانية الكثير من الإنتاج التأريخي الذي يمكن أن يعد بلغة العصر قاعدة بيانات ذات قيمة علمية عالية.
يعود تاريخ عمان إلى 8000 قبل الميلاد بينما تشير بعض الحفريات والقطع الأثرية إلى وجود نشاط لمستوطنات بشرية عاشت في عمان في عصور مبكرة ترجع إلى 10000 قبل الميلاد وقد عزز ذلك اكتشاف العديد من القطع الحجرية والآثار القديمة التي تشير إلى وجود أنشطة تعدينية وملاحية تتماثل في تقنياتها بين شرق عُمان وغربها، فضلًا عن تماثل التصاميم الخاصة بالمقابر في أقاليم جغرافية مختلفة تشير إلى أنها نتاج حضارة واحدة وقد عُرفت عمان عبر تلك السلاسل الزمنية الطويلة بعدة تسميات فقد أطلق عليها السومريون ودول بلاد ما بين النهرين اسم مملكة مجان (عمان) لشهرتها في إنتاج النحاس باعتبارها أرض النحاس وذلك في تطابق دلالي مع اللفظ السومري MAGAN الذي يعني أرض النحاس أو أرض الصخور والحجارة في إشارة مطابقة إلى الطبيعة الجغرافية الصخرية لعمان بخلاف الأراضي الصبخة والسهلة التي لا تستقيم دلالة اللفظ عليها إلى جانب حرفة صناعة السفن التي ظلت شهرة العُمانيون بها تاريخيًا واسعة النطاق وظهر هذا الاسم مجان في نقوشهم المسمارية باعتبارها معاصرة لمملكة دلمون (البحرين) في شكلها السياسي القديم وحضارة ملوخا الواسعة التي تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنها تبدأ من السواحل الغربية للقارة الهندية كما يشير بعضها إلى منطقة رأس الحد بالسواحل الشرقية العُمانية.[27]
كذلك يشير بعضها الآخر إلى كونها منطقة أثيوبية بالقارة الأفريقية ومجان (أي عُمان) مملكة ذات حضارة واسعة وذات شهرة عالمية كبيرة لصلاتها وأنشطتها التجارية والزراعية والبحرية لذلك فهي تتجاوز النطاق الجغرافي العُماني في شكله السياسي الحالي لوجود شواهد أثرية وتاريخية عديدة تؤكد وجود إمتداد حضاري لمملكة مجان يبدأ من أراضي جزيرة مصيرة ورأس الجنز في الشرق العُماني ليشمل أجزاء من الساحل العُماني أو عُمان المتهادنة أو ساحل عُمان (دولة الإمارات العربية المتحدة حديثًا) قديمًا قبل انفصال الساحل المذكور عن الشمال العُماني من ناهيك عن ورود اسم مجان في النقوش السومرية ليشمل الخليج العربي حاليًا من تلك الشواهد تماثل تصاميم المدافن والأسوار والتحصينات العسكرية وأشكال العمارة والتي أدرج بعضها ضمن قائمة التراث العالمي منها على سبيل المثال موقع بات بولاية عبري وحصن بهلاء بالمنطقة الداخلية ثم مثل ذلك موقع سمد الشان بولاية المضيبي إلى جانب تماثل بعض الفخاريات والأواني وأدوات الزراعة والحراثة لتمتع المنطقة العُمانية بموارد مائية عديدة وأنظمة ري دفعت بالعُمانيين إلى الاشتغال بالزراعة وهذا بخلاف المناطق الساحلية والصبخة المعادية للحياة عمومًا إلى جانب وجود قطع أثرية أخرى عديدة تعكس سلطة الطبيعة الجغرافية والمناخية للمنطقة التي دفعت بسكانها لعُمانيين إلى إحتراف تلك الصناعات وبالتالي الحاجة إلى أدواتها وآلياتها فضلًا عن أن مظاهر تلك الممارسات الحياتية إنما هي في الحقيقة سمات مجتمع موحد نمطيًا تربط أطرافه روابط اجتماعية واقتصادية وسياسية واحدة متصلة بالمركز السياسي لمجان.

العصور الحجرية القديمة

تعود بداية حضارة الإنسان في عُمان إلى الألفية الثامنة قبل الميلاد وفيها صنع الإنسان العُماني أدواته من الحجر العادي وهناك آثار ونقوش في عُمان ترجع إلى هذا العصر. وتتعدد تلك النقوش في عُمان ما بين الحفر على الصخر في شمال عُمان إلى استخدام الألوان في جنوبها في ظفار وتبدو في تلك النقوش صور بشرية وحيوانات برية، كما عثرت البعثات الأثرية في عُمان على أدوات عديدة تنتمي إلى هذا العصر مثل الفؤوس وأدوات الصيد وهياكل عظمية لحيوانات برية وأدوات حجرية ونقوش في ظفار وسيوان (هيما).

العصر الحجري

تمكن الإنسان العُماني في هذا العصر الوسيط من استثمار الموارد الطبيعية المتاحة، فشكل أدوات مفيدة من حجر الصوان اشتملت على الفؤوس والمكاشط والمدقات، كما بدأت الخطوات الأولى نحو صناعة الفخار وتميزت مواقع عُمان المكتشفة والتي تنتمي إلى هذا العصر بوجود نظم جديدة في بناء المقابر وعمليات الدفن وأدوات تدل على جوانب عقائدية تصور الحياة في العالم الآخر.

العصر الحجري الحديث

بدأ الإنسان العُماني بصناعة أدواته من حجر الصوان الشديد الصلابة، الأمر الذي يحتاج إلى أدوات وتقنية متقدمة، كما ظهرت الأواني الفخارية والرحى لطحن الحبوب، وتعد الرحى أهم إنجازات الإنسان في هذا العصر.

أهم المكتشفات الأثرية من العصور القديمة

وفي عُمان تم اكتشاف العديد من مواقع التجمعات البشرية والمستوطنات الكبيرة على السواحل وفي الأودية وعلى سفوح الجبال وعُثر على عظام الحيوانات مثل الأبقار والظباء والجمال وتعد آثار رأس الحمراء بمسقط أهمها على الإطلاق، كما تشير محتويات موقع حفيت الأثري وآثار بات على الوضع الحضاري لتلك العصور في عُمان، ومن أبرز المواقع التي عُثر فيها على شواهد أثرية (مستوطنة الوطية) بمحافظة مسقط يرجع تاريخها إلى الألف العاشرة قبل الميلاد، عثر بها على مخلفات أثرية اشتملت على أدوات حجرية وقطع من الفخار، كما عُثر على مواقد للنار وبعض الأدوات الصوانية الحادة والمسننة على شكل مكاشط وأنصال وسهام، وبعض النقوش الصخرية التي تعبر عن أساليب الصيد وطرق مقاومة الحيوانات المفترسة.

التاريخ القديم


عُمان تملك تاريخاً قديماً لدول مستمرة ولكن أجزاء من سلطنة عُمان اليوم شكلت محطات تجارية في التاريخ القديم[30] ظهرت مجان في النصوص السومرية من بلاد الرافدين ويُعتقد أنها المنطقة من شمال سلطنة عُمان وتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم[31] كانت المنطقة مرتبطة بالنحاس والتي كانت عنصراً مهما لحضارات بلاد الرافدين القديمة.
اختفت مجان عقب سقوط سلالة أور الثالثة في العراق في العام 2000 قبل الميلاد[32] سيطرت الإمبراطورية الأخمينية الفارسية على المنطقة بقيادة كورش الكبير في القرن السادس قبل الميلاد[33] فيما كانت ظفار، مرتبطة بالممالك العربية الجنوبية القديمة[34] لعُمان ثلاث مسميات قديمة وهي مجان ومزون وعُمان، حيث يعني الأول (مجان) أرض النحاس في الكتب السومرية ويعود ذلك لاشتهار عُمان قديماً بتصنيع النحاس وصهره وتجارته مع الحضارات الأخرى أما مزون فيأتي من (مزن) وتعني الغيمة الماطرة ويدل ذلك على وفرة المياة قديمًا في عُمان في حين أن اسم عُمان قيل أنه نسبة إلى عُمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام ويقال أيضاً أنه نسبة لمنطقة في اليمن تسمى عُمان وأخذ هذا الاسم إلى عُمان (البلاد) المهاجرون بعد انهيار سد مأرب باليمن.


عُمان قبل الإسلام



منذ عصر النهضة العُمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها اكتشاف مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العُماني الشرقي والغربي ترجع إلى الألفية السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات أخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمة وأمتعة شخصية تشير إلى أن سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما إحترف بعضهم مهنة قنص الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عُمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري.
وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي أجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى، ففي دراسة نشرها كل من الباحث الإيطالي باولو كوستا، البروفسور البريطاني جون سي ويلكنسون حلو منطقة صحار قدم المؤلفان معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التي ترجع أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية.
كما قدم الباحثان (كوستا وويلكنسون) تقريرًا علميًا دقيقًا يؤكد وجود مناطق تعدينية لاستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلو مترًا على سفح جبال الحجر الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة استمرار إستغلال هذه المناجم إلى العصور الإسلامية.
كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن استخدام النحاس منذ القرن الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عُمان عن طريق الرحلات البحرية في الخليج.
ومنذ منتصف الألفية الثانية أخذ استخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول، لذا فقد أخذت التجارة العُمانية تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية الواسعة فيما عرف بطريق البخور.
لقد تضاعفت أهمية تجارة عُمان منذ الألفية الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العُمانيون على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العُمانيون من الهند ويقومون بنقلها إلى بقية الأسواق العربية ومما يستلفت النظر إن اسم (مجان) قد أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث شمل جميع الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية ابتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز وعمومًا فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العُمانيون بديلًا في اللبان والبخور والخيول والمنتجات الهندية والصينية ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى الحرف التقليدية التي إمتهنها العُمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة وبرعوا في توفير المياة من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما يؤكد مقدرة الإنسان العُماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في استغلال المياة من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عُمان ثم يقول (لقد أجرى الملك إليها نهرًا مسافة أربعين فرسخًا تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب.




عُمان والإسلام


كان العُمانيون من بين أوائل الناس الذين دخلوا في الإسلام وعادة ما يرجع التحويل من العُمانيين إلى عمرو بن العاص الذي بعثه النبي محمد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حوالي 630م لدعوة جيفر وعبد إبني الجلندى حكام عُمان في ذلك الوقت لقبول الإيمان في تقديم الإسلام أصبحت عُمان يحكمها حاكم منتخب وهو الإمام.
خلال السنوات الأولى من البعثة الإسلامية، لعبت عُمان دورًا رئيسيًا في حروب الردة التي حدثت بعد وفاة النبي محمد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وأيضًا شاركوا في الفتوحات الإسلامية العظيمة برًا وبحرًا في العراق وبلاد فارس (إيران) وخارجها وكان الدور الأبرز في سلطنة عُمان في هذا الصدد من خلال أنشطتها التجارية والملاحة البحرية الواسعة في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية والشرق الأقصى وخاصة خلال القرن التاسع عشر عندما ساعد إدخال الإسلام إلى السواحل السواحلية ومناطق معينة من وسط أفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا والصين، بعد تقديمه للإسلام كان يحكم عُمان قبل الأمويين بين (661م - 750م، 750م - 931موالعباسيين بين (931م - 932م، 933م - 934م - 967موالقرامطة (933م - 934موالبويهيين بين (967م - 1053موالسلاجقة من كرمان بين (1053م - 1154م).
ارتبط العُمانيون بأصول عربية عريقة والثابت أنه حدثت هجرة عربية كبيرة في العصور التاريخية الأولى من شمال شبه الجزيرة العربية إلى عُمان وسواحلها وذلك بسبب الجفاف في شبه الجزيرة العربية ولا يعرف بالضبط تاريخ هذه الهجرة وهل كانت هجرة كبيرة واحدة أو على دفعات وهؤلاء المهاجرون ينتسبون إلى قبائل نزار وهم العدنانيون عرب الشمال.
يستدل من المصادر العربية أن عُمان تعرضت لهجرة يمنية كثيفة العدد، منذ فجر التاريخ وأكثرها شهرة هي الهجرة التي أتت بعد إنكسار سد مأرب وتهدمه في القرن الأول الميلادي فرحلت لخم والزد عن اليمن إلى أطراف شبه جزيرة العرب فنزل بعض الأزد في الطرف الشرقي من عُمان بينما إستقر الأوس والخزرج في يثرب، أما بنو عمرو بن عامر الذي يعود نسبه إلى مازن بن الأزد فقد نزلوا بمشارف الشام. ويذكر البلاذري أن الأزد بعد خروجهم من بلادهم إنتقلوا إلى مكة المكرمة ومن هناك تفرقوا فأتت طائفة منهم عُمان وطائفة السراة وطائفة الأنبار والحيرة وطائفة الشام.
وفي الحقيقة لا يوجد تاريخ دقيق لهجرة الأزد إلى عُمان ولا تحديد ثابت لخط سير هذه الهجرة سواء عن طريق حضرموت انطلاقًا من مأرب أو عن طريق اليمامة والبحرين انطلاقًا من السراة (عسير) وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن قبيلة الأزد التي كانت تسكن مأرب في نهاية القرن الأول الميلادي هاجرت من مأرب عبر وادي حضرموت، ونزلت سيحوت في (الشحر) بقيادة مالك بن فهم الذي إنتقل بالبحر إلى (قلهات) (15 ميلًا شمال غرب صور) وقام بتحرير عُمان من الفرس خلال معارك شرسة وأصبح السيد الأول المستقل على كل عُمان.
والحق أن المواجهة بين عرب عُمان والفرس على الخليج العربي جعلت العُمانيين يحرصون على استقلالهم وعلى الاعتزاز بعروبتهم وأصالتهم اعتزازًا كبيرًا ويستكمل العُمانيين النصر على الفرس بنزولهم في أرض بلاد فارس نفسها، إذ نجح سليمة بن مالك بن فهم في اقتطاع أرض كرمان من العجم، ولم تخرج كرمان عن حكم العُمانيين إلا بعد وفاة سليمة بن مالك بن فهم وإختلاف رأي أولاده من بعده. فتغلبت الفرس عليهم واستولوا على ملك أبيهم في كرمان وإضمحل أمرهم فتفرقوا بأرض كرمان ورجعت فرقة منهم إلى أرض عُمان.



إمامة عُمان


وجد العُُمانيون أن عامل الخليفة العباسي قد ترك لهم الخيار وأن الخلافة لم تعد تسير على النهج الإسلامي الصحيح، فهي حكم متوارث أكثر من كونها خلافة إنتخابية وهم لذلك لا يرون في هؤلاء الخلفاء ما يلزمهم طاعتهم، فقرروا إنتخاب إماما لهم يتولى شؤونهم، فعقدوا الإمامة على الجلندى بن مسعود بن جيفر بن الجلندى حفيد حاكم عمان عند ظهور النبي عليه السلام ومن مشاهير علماء الدين في عهده عبد الله بن القاسم وهلال بن عطية وخلف بن زياد البحراني وشبيب بن عطية العماني وموسى بن أبي جابر الأزكاني وبشير بن المنذر النزواني، وما دمنا بصدد الإمامة التي يقرأ القارئ كل حين عنها في الصحف ويتردد سمعها في الإذاعات والبرامج التلفزيونية، فلابد من أن يتعرف على أساسها ليكون على بينة من ذلك. ومعنى الإمامة لدينا معروف فهو مرادف لكلمة الخلافة وهو في معناه العصري حكم جمهوري ينتخب فيه الشعب حاكمه، وبالنسبة للإمامة فهو أقرب إلى الناحية الدينية فالمنتخبون هم أعيان البلاد، وهم أيضا رجال الدين في البلاد، ولكنه على كل حال حكم منتخب يمثله حاكم يسمى إماما له حقوق وعليه أيضا حقوق، فمن حقوقه تمثل السلطات التنفيذية، فالإمام رأس الحكومة يساعده من يختاره من الأكفاء وهو المرجع الأعلى في حسم الأمور وتوجيه سياسة البلاد وتخطيط مستقبلها وعليه أيضا أن يجعل الأمر شورى بين المواطنين وأن يتقبل النقد ويتسم بالنزاهة في كل جانب، فإذا حاد عن الخط المستقيم وجب خلعه وجوبه بالحقيقة دون خجل أو وجل. وفي عهد الإمام الجلندى لجأ شيبان بن عبد العزيز اليشكري كبير الصفرية هاربًا من السفاح إلى عُمان، فأمر الإمام بمقاتلته وفوض بذلك إلى قاضيه هلال بن عطية والقائد يحيى بن نجيح، فأشتبك الجيشان في معركة كبيرة قتل فيها شيبان ومعركة الإمام الجلندى مع شيبان فيها مدلولها على سعي أتباع المذهب الإباضي في نشر الحق والذود عنه، فرغم أن الصفرية إحدى مذاهب الخوارج ورغم أن الصفرية والإباضية مذهبان بدآ بالخروج على التحكيم في صفين، لم يجد الإمام في ذلك مانعًا من أن يحاربهم ويقضي عليهم نهائيًا، إذ وجد أنهم يسيرون في تعصب وضلال ونفذ الإمام حكم القتل في ثلاثة من أقاربه لمحاولتهم الخروج عن الإمامة، هم جعفر الجلنداني وإبناه النظر وزائدة وقد شهد بنفسه تنفيذ الحكم، فظهر على وجهه الاستياء، فهب صحبه يعترضون عليه قائلين: " إعفيه يا جلندى "..... فقال: " لا ولكن الرحمة " ورجل وهذا شأنه وقوم وهذا عزمهم في الإبقاء على حقوقهم بالإمامة لا يستغرب إذا حافظوا عليها في القرن العشرين وهو قرن الديمقراطيات والحكم الشعبي ولعل في اتصال ثورتهم الحالية وصمودهم ضد كل عسف ترويهما هذه المآثر التي ورثوها أبًا عن أب والتي تدعوهم إلى المحافظة على إنتخاب الحاكم وصلاحه سواء كان إسمه إمامًا أو غير ذلك.





تعليقات

إرسال تعليق